إنها الساعة الواحدة بعد الظهر ..لقد حان الموعد..
إنه مجرد شيء صغير... ذو لون أبيض .. يتحرك بسرعة غريبة في السماء البعيدة ..
إنه يكبر شيئا فشيئا ..إنه يقترب ..
يا إلهي إن له أجنحة..
ماذا ..إنه يدور ..هل يحاول الهروب؟!..
كلمات غريبة كنت أرددها كالأطفال الصغار ..
حوار سخيف حاولت أن أديره محاولة مني لإضاعة الوقت عله يمر بسرعة دون أن أشعر ..
انظروا إنها الطائرة لقد وصلت ..الحمد لله ..
لقد مر عام كامل على سفره .. وأنا في أشد الشوق للقياه ..
لم أنم طوال ليلة البارحة وأنا أنتظر شروق الشمس ..
وهاهي الطائرة تحط رحالها على الأرض ..قد وصلت حقاً ..إلا أن خالي لم يخرج بعد ..
هل حدث له مكروه
هل هو في خير الآن
أم أن الزحام قد عرقل خروجه
لا بد كذلك
كانت أفكاري مشوشة حينها إلا أني كنت أواسي نفسي بحجة الزحام ..
طال انتظارنا كثيرا ً.. وبدأت الظنون تسيطر على أعصابي..
قواي تؤؤل نحو الضعف .. الذي يكاد أن يسقطني أرضاً..
أشعر برغبة كبيرة في البكاء ..
ونفسي تتوق إلى الصراخ ...
**********************************
لن أنسى .........
لن أنسى تلك اللحظات التي كنت فيها بفارغ الصبر لألقاك ...
حين كنتَ مسافراً ولست عنا بقريب ...
حينها .. كانت تمر الثواني كالساعات الطوال والسنين الثقال..
كان قلبي يخفق بشدة ..
وأضلعي ترتجف شوقاً للحظة اللقاء ...
**********************************
لا أصدق عيناي ...هل أنا في حلم أم حقيقة ..هل هذا خيال ..
هكذا حدثت نفسي لهنيهات قليلة
وانطلق لساني بعدها يصرخ بشدة
- أمي ..أترين كما أرى..
- نعم أرى..
- هل هو خالي حقا ..
- أظن ذلك ..
- ما هذه الكلمة "أظن" ألا تعرفين أخاك ..
- نعم أعرفه إلا أنني الآن أشك في ذلك ..
- إنه يتجه نحونا..
- ربما هو إذاً..
- إنه يتبسّم لي..
- هذا يعني أنه خالك حقاً..
- مرحباً خالي..اشتقت إليك ..
- وأنا أيضاً ..كيف الحال؟؟ ..كيف الدراسة؟؟.. كيف كان عمرتكم؟؟..
أسئلة كثيرة انهمرت كوابل المطر علينا و كأنه هو من كان ينتظر خروجنا ولسنا نحن ..
- بخير والحمد لله .. أما عن العمرة فقد كنا نفتقدك ..ألم تعدنا أنك ستلحق بنا ..
- نعم لكنها الظروف يا عزيزتي ..
- الظروف.. الظروف.. الظروف.. ما هذه الكلمة التي تعشش على ألسنة الناس !!
لقد كان ذاك الشخص هو خالي حقاً.. إلا أن الزمن قد غير بعضاً من ملامحه وشكله حتى التبست علينا معرفته .. فها هو الشيب قد غطى بعضاً رأسه .. وهاهي التجاعيد بدأت تلوح في أفق وجهه ..وتلك هي قبعته الغريبة الشكل- لم أرها من قبل - قد أخذت لنفسها مركزاً فوق رأسه ..جاثمة تغطي بعضاً من "صلعته" التي تبدو كالجزيرة الجدباء وسط شعره..
إنها نظارته الشمسية تغطي بسوادها الذي يحاكي ظلمة الليل عيناه اللامعتان .. إنها ذات طابع قديم جداً..وكما يقال بالمثل الشاميّ:"من أيام ستّي وجدّي " إلا أنه يأبى أن يغيرها و يقول دوماً :"إنها هدية من أبي لا أسمح لنفسي أن أفرط بها بسهولة" على الرغم من أن أكثر أصدقائه ينتقدونها لقدمها الذي يتنافى مع عظمة مركزه .. لكنه كان يرد عليهم بثقته المعهودة:"لن أقال من عملي أو ينسى الناس ودي إن وضعت تلك النظارة "
كان تمسكه بها عجيباً فهي من رائحة جدي - رحمه الله – أهداه إياها عند سفره الأول..
- أما زال بيتكم موجوداً؟
- وأين سيذهب ؟ هل تذكر أن له أقدام؟
- أبداً .. إلا أنني ظننتكم نسيتم أن علينا مغادرة المطار والاتجاه نحو المنزل ..
- إذا كان الأمر كذلك فأنت على حق ..
حوارٌ مضحك دار بعد اللقاء ..
سلامات حارة وعبارات الشوق والحنين تملؤ المكان ..لدرجة أننا حقاً نسينا أنفسنا ..
- من هنا ..
- إلى أين ..
- إلى السيارة ..
- ومن سيقود ؟
- أنت..
- أتمزحين !..أم تهزئين!!!
- أتكلم الحقيقة ..
- لا أعتقد..
- إذاً فاختر من تثق به ..
كان القلق بنتابه دوماً حين يستقل أي شيءٍ يندرج تحت قائمة 'سيارة' إلا أن الأمر الواقع كان يجبره دوماً على الامتثال له.......
**********************************]
لن أنسى .........
لن أنسى تلك اللحظة التي أبصرتك فيها قادماً من بعيد ...
تجر أمتعتك الثقيلة ...
ترقب الناس شخصاً تلو الآخر ...
تبحث عنا.. توقاً لرؤيتنا ..
وحين تلاقت الأعين ..... كاد قلبي يرقص من شدة الفرح ...
أحسست أني أصبحت في عالمٍ آخر ..
عالم السعادة التي لم يسبق لها مثيل ...
انطلقت نحوك لأضم يداك الدافئتان ...
وصدرك الحنون ...
نعم.... لقد كان لذلك الموقف في عمري ...أثر كبير لن أنساه مدى الحياة ...
تحياتي،،،
AmY